تلك الصباحات الغائمة بلون مخاوفي ، صباحات نوفمبر الرمادي حيث لالون محدد للسماء،، لا حرارة ثابتة للطقس و لا رأي ثابت اتمسك به في حروبي الوهمية ضد الأخرين،،، أشكل غيوم رمادية كثيفة علها تخفي وجهه العبوس لكنها لا تفعل،، أعيد خصل شعري داخل الأيشارب مع أنها لم تبرح مكانها قط،، حركة لاإرادية أخفي بها توتري ،، انظر إلى باب الغرفة كل خمس دقائق لكن شيء لم يحدث،، انظر إلى رداء العمليات الأزرق الذي البسوني اياه،، اربت على بطني و اهمس للمحاربة الصغيرة بداخلي أن تصمد فقد حان الوقت،،أقضم أظافري عادة سيئة أخرى لا أستطيع التخلص منها و لا أعرف ابدا متى بدأتها،،، سألتني الطبيبة النفسية التي اذهب إليها خلسة متى بدأت قضم أظافري!
"معقول امرأة
جميلة مثلك تقضم أظافرها" الحق أنا امرأة جميلة بيضاء لي عيون عسلية و رموش
طويلة و فم ممتلىء قوامي ممشوق و ان كنت أخفيه خلف العبايات الواسعة،،لم ارتدي
الأسود في حياتي بل حرصت دوما أن اكون في نقطة الحياد باللون الرمادي أتمنى أن
تنساني بعد أن تراني فلا استقر في ذاكرة انسان مطولاً، حجابي متوسط يغطي كتفاي و
هو دائما يمتد الى الأمام بالكاد فوق حاجبي شديد الاحكام كأن وجهي يجاهد للظهور من
خلاله لكني لاأبالي! متى ارتديت الحجاب!!! اعود بالذاكرة قصرا للطفلة ذات العشر
سنوات التي كنتها،، كنت العب وحدي في ذلك اليوم عندما داهمني ألم مفاجئ استدعى
دخولي إلى الحمام لأصرخ و أخرج أركض لاهثة إلى أمي اقسم بأغلظ الأيمان أني كنت
وحدي ألعب و لاأعرف كيف جرحت نفسي هذا الجرح،،، البقعة الحمراء تلك لاتغادر عيناي
ضمن مشاهد أخرى،، أمي لم يبد عليها الإندهاش قط بل على العكس أذكر نظرة حزينة
مشفقة في عيناها و هي تُحكم الأيشارب الصغير حول وجهي وتخبرني أني لن ألعب مع
جيراني الصبية بعد الآن،، كيف أن البقعة الحمراء التي رأيتها ستستمر طويلا بعد ذلك
و ستزورني كل شهر لتذكرني بأن لا اركض و لا أرفع صوتي و أن اختار هواية أخرى غير
الرياضة التي سيكون من الصعب بل من المستحيل فيما بعد أن انتظم فيها رغم مهارتي
الشديدة و أن استبدلها بالقراءة و سماع الموسيقى.
امسح
دمعة تسللت إلى خدي و أنا اذكر القرار الثاني و الذي كان بحرماني من الخروج بدون
أمي كنت عائدة من المدرسة عندما اعترض طريقي ذلك الشاب الضخم و تعريه أمامي
و قد سد الطريق بجسده ،، يومها لم أصرخ و لم أبكي لأن أمي قالت أنه لا يجوز لي
ابدا بعد أن خرطني خراط البنات أن يعلو صوتي،،، كتمت صرختي في جوفي و ركضت و أنا
أضع يدي على عيني و قد تسللت الشعرات النافرات من مقدمة حجابي،،، ازددت صمتا و
انعزالاً،
حتى
كانت تلك السنة الفاصلة كنت في الثانوية العامة و حرصا من أبي و أمي على تحصيل بضع
درجات اضافية انضممت لمجموعة دراسية في المدرسة، و في يوم كنت وحدي مع مدرس
الرياضيات و كان يثني على ذكائي و سرعة استيعابي ثم وضع يده الخشنة على جسدي و كان
يضمني إليه بشدة و يعبث بجسدي وصلتني رائحة عرقه و دارت بي الدنيا و لولا
نوبة القيء المفاجئة لكانت بكارتي خرقت،،، بقيت مريضة طريحة الفراش لأيام و تحت
ضغط و إلحاح أمي اخبرتها بما حدث لكنها لم تدعني اكمل، فقط تم نقلي من المدرسة إلى
مدرسة أخرى و استأنف الكل حياته كأن شيء لم يكن كان أبي يدير وجهه كلما التقت عيني
بعيناه،، كم مرة تهربت أمي من دموعي و أنا أبكي من جفائها و قسوتها و أسألها أي
ذنب إرتكبت، كم من ليلة افقت على كوابيس التحرش و الهروب اللانهائي من شخص له
رائحة كريهة أو ذا جسد ضخم، كم من ليلة اعدت الوضوء عشرين مرة و أنا أتساءل هل أنا
نجسة خاطية،،
منذ
التحاقي بالجامعة و حتى تخرجي منها كنت شبح غير مرئي صديقات لا يزدن عن اصابع اليد
الواحدة، حجاب كبير يغطي الكتفين و عباءة رمادية و ألوف الكتب،، عشت بين الكتب حتى
بدأت ثورة الانترنت و برامج المحادثة الإلكترونية فقبعت خلف شاشة الكمبيوتر أرقب
الأيقونات المختلفة و ابتكر الاسماء المستعارة فتارة أنا زهرة الربيع و تارة
الأميرة الضائعة و غيرها و غيرها،،، حتى تعرفت عليه و دوناً عن غيره نجح في اقناعي
بأن نلتقي لم يسألني عن شكلي و طولي و لون عيوني و وزني،، لم يصب في أذني كلمات
الأعجاب و الحب، بدا رزيناً تماما غير متعجل،، التقينا و لم يلق بالا لثيابي و لا
لحجابي و لم يتلصص على شفتي أو صدري أو انحناءة العباءة على جسدي و لم يكن ينظر في
عيني و هو يتحدث إلي ،، كان انيق و مهذب و قليل الكلام إلا اذا غضب،، و ما أدراني
أنه دائم الغضب و الصراخ ،،، و اقتنعت أني احبه و ارتحت أيما سعادة لطلبه
مني الزواج حتى أهلي كانوا في مثل سعادتي، و تزوجنا.
مسحت
دمعة أخرى لاارادية تسللت الى خدي،، يقولون أن الجاني يعرف المرأة الضحية من بين
مئة امرأة و هو قد عرفني منذ اللحظة التي قرأ فيها اسمي في برنامج المحادثة
الالكترونية،، كانت حياتي معه سلسلة اخرى من الانتهاكات و الإهانة لكن هذه المرة
تحت مبرر الزواج،، كان زواجنا اغتصابا كل ليلة،، و دموع اذرفها كل ليلة ،،كان
يمارس ذكورته علي بأقذر الطرق و بأحط الكلمات و اللكمات،، هل كنت أستطيع أن أقول
لا أنا التي لم تقل سوى نعم و حاضر و آمين ، استنزف اموالي و اموال اسرتي و عندما
اخبرته أني أريد أن اعمل ثارت ثائرته و حط من شأني و أني لست سوى فاشلة لاتجيد
شيء.
ربما
كان هذا الوضع ليستمر سنين أنا التي لم تعرف معنى الثورة و الإعتراض قط لكن
رحمة الله و قضائه أن حملت منه،و عندما اخبرته سخر مني و قال أني لن استطيع تربية
ابنه و أني سأكون ام فاشلة كما أني زوجة فاشلة،،، كم ليلة فكرت فيها أن اتخلص من
هذا الحمل و كنت اتراجع في اخر وقت حتى علمت و أنا في شهري الخامس أني حامل في بنت
كنت ارى شريط حياتي يمر بحياتها هي ،،، رأيت الشفقة التي في عين أمي و حزنها،،
تصورت القسوة التي ستشعر بها و القهر الذي سيمارس ضدها ،، رأيت الذي سيتحرش بها و
ذاك الذي سيتزوجها نكاية و مادت بي الأرض و قررت أن ألدها و أنا حرة،، قررت أن
لاتكون صورة أخرى مني و طلبت الطلاق،، لم يوافق و لم استسلم و لم اعلمه أني حامل
في بنت،، حاولت اغرائه بالمزيد من النقود،، نصيبي في شركة أبي،، ابرأته من كل
واجباته،، لم يوافق زاد في غيه و اصراره،، أمعن في اذلالي ،، كدت أنا أن استسلم
أخبرته أني أحمل في أحشائي ابنة،، ثارت ثائرته لم يتوان عن ضربي ضربا شديدا
كاد يودي بحياتي و حياتها كان الألم فظيع،، لا يحتمل و شعرت باللزوجة الدافئة بين
فخذي و ايقنت أنها نهايتها و نهايتي و لأول مرة صرخت كما لم أصرخ من قبل ،،،و
على أثر صراخي الهستيري و بكائي الشديد أقبل بعض الجيران و لم يتوقفوا عن الطرق و
لم أتوقف عن الصراخ و رأيت جبنه و خسته في تلك اللحظة و هو يهرع نحو الباب ليفتحه
و يفر هارباً، كان بين الجيران امرأة أربعينية تبدو قوية أو هكذا توسمت فيها،،
أمسكت بطني و أنا قول لها "ساعديني" ركضت نحوي،، ذعرت من الدماء في ثوبي
صرخت في فتاة اخرى أن تنادي أبيها و أخذوني إلى المستشفى،،، كنت احاول قدر
المستطاع أن احدثها -صغيرتي-عن شهر يناير الذي كنت أتمنى أن ألدها فيه لتكون قوية
باردة مثل شتائه لكنها أبت إلا أن تحاول الخروج للدنيا في نوفمبر هذا الشهر
الرمادي مثلي ليس على حام و لا بارد! كنت أقول اصمدي و البثي بداخلي شهران
اخران علكي تخرجي عفية ابنة تسعة أشهر لكن مع ازدياد التقلصات في بطني و تقاربها
خفت أن افقدها ،،دعوت الله تضرعا و خفية أن تخرج للنور حية ترزق أيا كانت ابنة
تسعة او سبعة،، اغمضت عيني أريد أن افيق من هذه الذاكرة،، أكدت جارتي أن زوجها
المحامي سيحصل لي على الطلاق من أول جلسة بعد اثبات اعتداء زوجي علي و محاولة قتلي
و اجهاض جنيني..
مازلت
ارتدي اللون الرمادي و أخفي وجهي قدر المستطاع ،،مازلت اقضم اظافري و بالكاد
استطيع ادارة حديث مع اشخاص اخرون لكني اريد أن أتغير،،
"سيدتي
،، حان الوقت،، اخترتِ لها اسماً؟؟ "
كانت الشمس تسللت إلى
الغرفة و اضاءتها بشدة و شمس نوفمبر لو تعلمون عزيزة،، ضحكت للدفء الذي ملأ قلبي و
اجبته "إلينا،، شعاع الشمس"
رماديه .. قويه جذابه شفافه . كنت اشك بالون الرمادى لانه بين وبين .. الان وجدت فيه جمالا يشبه جمال نوفمبر .. حيث نشتاق المطر .. والشتاء .. حين نحب الشمس اكثر من زى قبل .. لك من الاحترام قدر .. ومن التقدير قدر اكبر .. اسمحى لى اتابع ما تكتبين .. كلمات بسيطه ووافيه ..تحيانى نولا
ردحذفعزيزتي نولا انا ايضا لا احب اللون الرمادي لكني تعلمت ان انحي مااحب جانبا و ارى الاشياء من مناظير مختلفة كل يوم بل كل لحظة سعادتي كبيرة ان اعجبتك كتاباتي و يشرفني متابعتك لك كل شكري اسعدتيني :)
حذف