حانت مني التفاتة إليه و
هو في جانبه الأيسر من الفراش يحملق في هاتفه المحمول و على وجهه تلك الأبتسامة
التي لم تكن أبدا من نصيبي، أدخل إلى الحمام و أرفع وجهي لأواجهني في مرآة الحوض ،
أتأمل الوجه المرهق من طول اليوم و عناء الأولاد و البيت و التمارين الرياضية و
الموسيقى و حصص الرسم، أسكب مزيل المكياج على قطعة القطن الدائرية المعدة مسبقاً،
أمسح عيني في أتجاه واحد فقط بنعومة و رفق،، أتحول إلى زومبي مخيف بهالة سوداء
واحدة، أتصور وقع فعل الأولاد عندما يشاهدوني بهذا الشكل، أفعلها في عيني الأخرى و
أركض مكشرة إلى غرفة الأولاد لتتعالى صرخاتهم بعد أن كانوا آووا إلى فراشهم،، حسن
يرفع وجهه لدقيقة و تعلو البسمة شفتاه الدقيقتان، يتردد نظره بين اللوح المعدني
اللعين و الضحكات الصاخبة، ينحي هاتفه جانبا و يعود حاملا المقشة الخشبية و
يطاردني أنا و الأولاد و نسقط كلنا مترنحين تحت وهم السعادة، نقبلهم من جديد قبلة
المساء و تطفىء الأنوار ، يعود إلى موقعه الأيسر من الفراش و هاتفه و ابتسامته
الغامضة، و أعود أنا لمرآتي و قطع القطن الدائرية و بقايا ابتسامتي الكاذبة،، حسنا
هي لاتجعلك تضحك بالطريقة التي أفعلها أنا!
هل ممكن أن يتحول فراشي
الوثير إلى أشواك، أتقلب يمينا و يسارا يجافيني النوم و تنقبض أنفاسي، أعلم تماما
أني لن يعاودني النوم حتى يعود إلى الفراش،، اسمع همساته القادمة من غرفة الجلوس
المجاورة،، اعرف الطريقة التي ينفث بها الهواء في غضبه،، أشم رائحة سجائره وأكاد
أقسم أنه تعدى الخمسة من قوة الرائحة المنبعثة من الغرفة، لا أستطيع أن أتظاهر
بالنوم أكثر، أحدث القليل من الضجة و أتعمد أن يلاحظ استيقاظي عله يرحم نفسه و
يرحمني، علها ترحمنا هي و تنام،، أشرب كوب الماء المجاور بينما يدخل هو و عيناه في
الأرض،، أتعمد الحدة في صوتي "ليلى ؟؟!" و مع أنه لم يجب بل كان يغمغم
بشيء غير مفهوم إلا أني كنت متأكدة، أنظر إليه بإشفاق بصدره المشعر بغزارة و
أنفاسه الصاعدة الهابطة و كتفه المدلى بإعياء و ألم، أنفض الغصة من قلبي و أضع زيت
اللافندر في حمام ماء دافيء و أشعل الشموع في الغرفة و أدلك ظهره المتعب ،، كل هذا الوجع في قلبك بسببها،، كل هذا الأرق لأنها لاتنام،، اعرف انك لن تخونني معها لكنك أيضا لاتتركها من أجلي ،، حريص أنت ياحسن أن لاتؤذيها،، أن لاتغلق هاتفك ليلا ،،،أضغط كتفه بعنف فتخرج منه آه بحجم حزنه من أجلها،، بحجم ذهوله من غضبي الظاهر،، بحجم خجله مني،، احبه ،،تركت نفسي أحتضن ظهره العاري تغمر أنفي رائحة اللافندر المختلطه بعرقه و سجائره ،،لم أكن أعرف
هل كانت دموعي أم دموعه التي كنا نكفكفها سويا، أعتدل ليقابلني و رمى برأسه على صدري "سامحيني" خرجت ضعيفة خجلة متكسرة هو يبكي في حضني أنا و العفو من شيم الكرام.
في الصباح حسن بوجهه
البريء أمام الغلاية الكهربائية يعد لنا كوبي القهوة و أطباق الكورن فلكس
للأولاد،، طريقته المعتاده في الأعتذار أو كما يقول وجبة حب صباحية أعرف أنه بعدها
سيذهب ليقلها معه إلى العمل! أجل أعرف
هذا الرجل الأسمر أحبه
،أحب وجهه الطيب أبو غمازات و شعره القصير الأشيب المجعد
حسن لم يكن فتى الجامعة
الأول لكنه كان ملك الدور الثاني بلا منازع، حسن الشهم الذي تأمنه كل الأمهات على
بناتهن من كل المحاضرات المتأخرة و الكورسات و الرحلات،، حسن عاشق الأكل الذي له
نصيب الأسد في كل ساندويتشات البنات،، حسن الأنيق بغير تكلف بستراته البولو
البيضاء فقط أو قمصانه الزرقاء الكاروهات و بنطاله الجينز الفاتح،، رائحة عطره
التي لاتخطئها مزيج الليمون و خشب الصندل أيا كان اسم العطر له تلك اللذعة
المميزة، بكرمه المبالغ فيه ،، حسن هو عمرو واكد ؟؟ إنه يفوق أقرانه
براعة بالتأكيد كأحمد السقا أو كريم عبدالعزيز لكن لاتسند له أدوار البطولة،هكذا حسن بقلبه الكبير و شغفه بالتفاصيل و حب الحياة، أنا
اكتشفت حسن منذ اللحظة الأولى التي شاهدته فيها،،ربما لأن حسن لم يكن يحبني أنا
أستطعت أن أكون قريبة جدا منه و أن يفتح لي جروحه الكامنة،، كنت اقترب من حسن بثقة
حتى هو نفسه كان يعتقد أنه بمنأى عن أي امرأة فليلى وحدها من تملك مفاتيح قلبه،،
حتى تزوجت ليلى البطل ،، و بقي حسن في الظل و بقيت أنا بجوار حسن و لم أفاجأ عندما
طلبني للزواج و صارحني أنه كان يحب ليلى و أنها الآن في جانب مظلم في قاع قلبه
المكسور،، كان اتفاق غير معلن بالوفاء و الأمان و السعادة، استعنت بصبري و صخبي
لأملأ فراغات قلبه، راهنت على خذلانها له الذي لم يكن الأول و لن يكون الأخير،،
تعلمت أن لاأقارن بين كتاب ينتقيه بحرص ليهديه إليها و قلادة ذهبية لايختلف عليها
اثنين يهديها إلي،ليس أني لاأقرأ أو لاأتذوق الموسيقى لكني لم أرد أن أسابقها على
قلبه كنت أريده أن يأتي طوعا إلي، لم يكن من السهل أن تكون صديقتي لم أستطع لكني
حرصت أن ألتقيها مرتين أو ثلاث بدون محاولة اظهار أي ندية لها،، استمتعت جدا بنظرة
الخجل في عينيها و الغيرة التي كانت تأكلها لأنه ببساطة أنا التي تجلس كقطة
بين ذراعي حسن،، بينما يعلم حسن في قرارته أنه حتى و إن كان مازال يحبها فهو كان و
لم يزل الاختيار الثاني و لم و لن يكن الأول في حياتها. أجمل ماقاله حسن ذات يوم أني المرأة المناسبة له ليس أني جميلة جدا أو ذكية جدا أو أجيد انتقاء ثيابي أو أستطيع أن أدير حوار بمهارة بل أني أشع في وجوده و هو مايجعله يشعر برجولته إكثر من أي وقت مضى مع ليلى، اه ياحسن هل أخطأت أني لم
أخيره بيني و بينها!! كيف أفعل و عندها سأشعر أنه بقى تحت وطأة الواجب و
الالتزام، ,و ماذا إن لم يبقى،
كنت أشعر بتلك الدفعة
الهائلة من الإحباط بداخلي بعد مكالمة الليل تلك !! أشعر بقدمي و هي تزل بعيدا عن
ثقتي المعتاده بنفسي،، اتسأل إن كنت أنا المخطئة،،لم أكن أبدا ضعيفة بحسابات العقل و المنطق لكني لاأستطيع أن أقف في وجه هذا الرجل بل أن قوتي تنبع من وجودي بجواره،،أستمد إيماني بذاتي من ذراعه التي تحيط كتفي في حنان،
قررت أن أذهب إلى الصالة الرياضية لأنفث عن طاقة الغضب و الاحباط بداخلي،، كنت أقفز و أنثني و أتحرك صعودا و هبوطا بعنف،،أصرخ صرخات هائلة و عندما
يصبح القلب هو سيد الموقف متحدية عنف العالم من حولي و اضطرباته،، مع ايقاع
موسيقى البوب العالي و دقات القلب السريعة،، الادرينالين الذي يضخ في العروق،،
قطرات العرق في كل مكان من جسدي،، كنا انتهينا من التمرين،،، امسح عرقي و أحاول
قدر المستطاع أن أشرب رشفات صغيرة من زجاجة المياة ،، و قد جلست على الأرض ألهث
بقوة متقطعة الأنفاس كنت أعتقد أني فقط منهكة عندما انفجرت الدموع من داخلي،،لأعلن أخيرا عن عجزي التام عن احتمال المزيد من الألم، القلب العاشق يئن و يبكي!! صرخت
صديقتي أتركيه تستحقي رجل أفضل! لكني كنت ماأزال أراهن على خذلانها له و أنه سيعود
إلي،، أنه في قرارة نفسه و بفطرته الطيبة سيدرك ماأقدمه إليه الذي لم يعد فقط وفاء
و امان و سعادة بل انها حياتي كلها،، قلت لصديقتي اخترت هذا الطريق و أنا مدركة
تماما عواقبه قررت أن أترفع عن مسببات السعادة الزائفة من كلمات معسولة و ابيات
الغزل،، أن لايكون التعبير عن الحب بأغاني نجاة و عبدالحليم،،أن أكون شديدة
القناعة و الرضا بنظرة الامتنان في عينيه عندما أتنازل عن حلوى التشيز كيك التي
أحبها و أختار قالب شيكولاتة الفوندو الساخنة في المقابل و أضحك و أنا امسح البقع
البني التي لطخت أنفه و فوق الشفة العلوية ،، أن لاأخجل من احتضانه ليلا رغم أنه
يوليني ظهره كل مساء،، لاأعلم من أين لي بكل هذه القوة يحضرني مقولة لطاغور "الأشخاص الأجمل هم أولئك الذين
عرفوا الهزيمة و العذاب و الكفاح و الخسارة و وجدوا طريقتهم الخاصة للخروج من
الأعماق السحيقة" أعلم أنه سيعود إلي ليس لأنني موجودة و كفى ربما لست
الأجمل لكني الأقوى و الأحن و
الأكثر قدرة على العطاء و قلب حسن الطيب سيرشده إلي،، ُعد إلي ياحسن!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق