السبت، 3 أكتوبر 2015

رسالة إلى السيدة ميم: مفيش ست تستاهل (الرسالة السابعة)

The painting belongs to Waldemar Von Kazak

عزيزتي ميم  
قابلته،، لن تصدقي،، هو، فتى الشاشة هل كان هذا لقبه؟؟ أكاد أقسم أني أرى ضحكة عابثة تعلو وجهك الصبوح،، أعرف لأن الضحكة العابثة ذاتها علت وجهي حين رأيته، أعرف أنكِ تقفزين الآن من جلستك المريحة في الأريكة البيضاء الكبيرة تكادِ تموتِ شوقا لتعرفي أين و كيف و متى و إن كنا تجاذبنا أطراف الحديث؟؟! مثلك تساءلت أنا إن كان مازال يذكرني؟!!  و قبل أن أجيبك عن هذا السؤال عزيزتي دعيني أخبرك أنه لم يتغير، كم صار عمره الآن هل قارب الأربعين،، زادته السنين بهاء ،، مازال فتى الشاشة الذي هامت به فتيات الجامعة الخليط العجيب من كليف اوون و هيو جرانت و براد بيت،، أجل يا عزيزتي ميم لقد عادت إلي الذكريات دفعة واحدة،، كيف كانت خطوته؟! مابين المشي و الهرولة مانحة الطاقة هل كنا نقول أنه ك "ريد بول" بيعطيكي جوانح! ما كل هذا الهزل اضحكي فهو لا يعلم أو ربما يعلم فمثله لاتخفى عليه خافية! مضت هذه السنين بعبثها و برائتها يا ميم و بقيت الذكريات! أو هكذا انتويت و أنا أدير له ظهري عندما سمعت حروف اسمي تتشكل في الهواء مبعثرة هكذا كانت أو هكذا كنت أنا، التفت إليه غير مصدقة و أنا أحيه تذكرت أيضا أن مصافحته كانت غير عادية لديه من القدرة و بسلام بسيط جدا أن يشعر السيدة التي تقف أمامه أنها ملكة متوجة و كأنه سكب النور في قلبي لا أعلم كيف قررت أن أنحي خطاب البنك جانبا و أدعوه أو ربما هو الذي دعاني لفنجان قهوة، أجل يا عزيزتي ميم لقد كنت في البنك من أجل ذلك الخطاب الذي أخبرتك عنه سابقا في التاسعة صباحا و بدون مساحيق التجميل و بهالات الأرق المزمن كنت أقف أحييه سعيدة بهذا اللقاء الغير مرتقب،، هل أسمعكِ تذكريني بنصيحتك للمرة الألف و واحد أن لا أخطو خارج البيت خطوة بدون أحمر الشفاه و قلم الكحل الداكن حسنا اذن لم أنفذ نصيحتك هذه المرة أيضا.
هل كانت صدفة أن تكون أغنية داليدا بارولي بارولي هي الصادحة في المكان،،، ماذا يمكن أن يحدث لي أنا ايضا في هذا الصباح، كان يقلب السكر في فنجانه غير آبه لي،، استطعت أن أتأمله و هو على حالته تلك من الاستغراق لقد نال منه الشيب هو أيضًا، بضع كسرات في زوايا عينيه و تيبس غير مرئي في فكه السفلي، "لا يبدو سعيدا" قلتها بصوت عالٍ بدون أن أشعر ،التفت إلي بنصف ابتسامة و همهم بصوت حزين "أجل لست سعيدا" الكلمة كانت أكبر من احتمالي يا ميم ماذا فعلت بنفسي و هل يجوز أن أسأله!؟ لم يمهلني طفق كشلالٍ جارف يتحدث عنها! على مهلك ليست من تظنين كان يتحدث عن السيدة التي شكلت الرجل الذي هو عليه الآن عن والدته! قال لي تذكرينها؟ و أكدت على كلامه و كيف لا و هي سيدة المجتمع الراقي الهاشة الباشة، لا أعلم هل كانت التماعة عينيه من الدموع أم ماذا لكن حرارة كلماته كادت تبكيني قال ربتني سيدة عظيمة كنت أنا و هي و أخي الأصغر كانت المهام موزعة علينا ثلاثتنا لم يكن هناك رجل و امرأة في منزلنا كنا ثلاثة أشخاص، منذ نعومة أظافري و أنا أرتب سريري و أحضر طبق السلطة أو أكنس السجاد بالمكنسة الكهربائية، قد تكون أمي مسافرة فأنزل لأبتاع الخبز البلدي من الفرن و يجهز أخي طبق الفول بزيت الزيتون و الليمون، تنحنح محرجا و هو يقول أن أمه علمته أنه لابأس أن يحضر لها حبات البنادول المسكنة كلما زارتها صديقتها الشهرية و لزمت الفراش و يصنع لها فنجان البابونج المهدىء للأعصاب،،، اعتقدت لوهلة أنه حزين لفراقها يا ميم لكنه أكد لي أنها حية ترزق أدام الله عليها الصحة و العافية! و لم يكن هناك مفر من ذاك السؤال فسألته هل تزوجت؟ أطرق في ضيق و قال أنه تزوج و طلق و له منها ابنة و ابن،، لم أرد أن اسأله عن زيجة انتهت فقلت لمَ لم تتزوج مرة أخرى؟؟ "مفيش ست تستاهل" أجل يا عزيزتي ميم لقد قالها!!  لا أعلم لمَ لم أغضب على العكس تماما هززت رأسي متفهمة فأكمل كنا زوجين سعيدين أو هكذا كنت أعتقد كانت تبدو مندهشة من اهتمامي بتفاصيلها الصغيرة تفرح اذا ذهبت معها لتشتري ثيابا جديدة،، إن اخذتها للسينما،، كنا نقضي كل الوقت في الشارع،، في النادي،، مع صديقاتها و لم  أعترض كنت أريد اسعادها،، كنت أحتمل حساسيتها المفرطة في وقت حملها و حتى بعد ولادة طفلتنا الأولى ،، كنت أساعدها في الاعتناء بالطفلة  في كل كبيرة و صغيرة حتى تغيير الحفاضات و مواعيد التطعيم و زيارات طبيب الأطفال،، لم يكن انتقاصا لرجولتي حرصي عليها و فهمي لطبيعتها المختلفة عني و حاجتها للحب و التدليل لكن كلما زاد اهتمامي زادت لامبالاتها ،، كلما قدمت أكثر قل تقديرها،،ارادت خادمة و مربية،، ثم توقفت عن الطهو،،،تسائلت حقا إن كانت حاولت في يوم اسعادي!! تنفر من اصدقائي و من أمي و مني أنا شخصيًا، ثم ..و تلعثم قليلا و سكت و عرفت أنا ماذا يريد أن يقول و فهمت بأنه يبحث عن صيغة مناسبة لما يريد قوله فهي طعنة في صميم رجولته و لم أشأ أن أقاطعه تركته لحبل أفكاره و صمته،، قلت ربما يكتفي بهذا الجزء من الجرح الذي نكأه بنفسه لكنه أبى إلا أن تسيل الدماء و تتعرى الحقيقة تماما كنا أنهينا فنجانين من القهوة و انتصف النهار عندما رفع رأسه إلي بغضب قال إن ابنه كان نتاج غلطة ثمنها خاتم ماسي قيمته خمسون ألف جنيه،، لقد أجاد التعبير حقا يا عزيزتي ميم، حدثتني صديقة ذات مرة داهشة أنها سمعت مجموعة من السيدات في المترو يتبادلن النصائح فيما يختص بمقايضة كل رغباتهن و كلها رغبات مادية بالجنس قالت ان احداهن كانت تقول نصا اطلبي ما ترغبين في السرير و اتبعت كلامها بغمزة ، سألته كم مضى على الطلاق فأجاب أنه مضى عامان ثم عاجلني أن الاولاد معه هو و أنها لاترغب في حضانتهم،، لم أجد ما أقوله عند هذه المرحلة، أطرق هو برأسه كان حطاما..منكسرًا وحيدا و منعدم الثقة في الأخرين،، لطالما سمعت عن رجال سيئين لكنها المرة الأولى التي أشعر فيها بوضاعة امرأة كأنه قرأ ما يجول بخاطري قال في وجع "يبدو أن القبح ليس حكرا على أحد" شعرت بالخجل من نفسي عزيزتي ميم و تحيزي لأنوثة قد تكون هي الطاغية و حضرتني مقولة همنجواي ريلكه "الدنيا تقتل الطيبين جداً، اللطيفين جدا والشجعان جدا بلا تمييز. تقتلهم بإنصاف" 
دمت لي. 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق