الجمعة، 26 فبراير 2016

رسالة إلى السيدة ميم: لاتكوني المرأة التي كنتها (الرسالة الثامنة )


صغيرتي ميم
هذه رسالة إلى صديق عزيز أحملك مسئولية وصولها و لاحرج عليك إن لم تفعلي فلا أعرف له عنوان و لا أمل في حضوره لتلقيها!! فقط كوني شاهدة عليها علني بهذا أتخفف من عبئها الذي أثقل كاهلي لسنوات طوال!!!
صديقي الذي كان،
بعد تحية و أشواق لن يبلغوك،، تصلك رسالتي هذه لأقدم لك اعتذار عن المرأة التي كنتها التي هربت من حبك باقتدار و أغلقت في وجهك كل الأبواب ، تعود اليوم لتفقد سيرتك التكنولوجية ،، تتابع أخبارك بشغف و تبحث عن أي بادرة شوق الكترونية تعلنها و تتمنى أي كلمه تعني عودي علها تعود!!
تأخرت كثيرا،، بضعف فيروز ذات الصوت المتكسر و هي تنادي حبيبها في أغنية ليالي الشمال بهذا الضعف كله و هي خائفة مترقبة خلف الأبواب المغلقة التي لن تفتحها حتى لك أنت حبيبها! أعتذر أني لم أكن المناضلة القوية التي أردت ،أني تشبثت بكل خصال البراءة و الخنوع مجتمعة ، أني التي لاحيلة لي في حمرة الخجل التي لاتفارق وجهي كلما رأيتك ،،أني مازلت يتملكني ذات الجزع و الرهبة من صوتك الجهوري أنت يا سيد البوح  غير عابيء بالأصدقاء و الأعداء و المارة من الغرباء تقرأ قصيدة سبارتكوس الأخيرة تعيدها و تزيد "المجد للشيطان معبود الرياح ..الذي قال لا في وجه من قالوا نعم ..من علم الانسان تمزيق العدم .. من قال لا فلم يمت و ظل روحا أبدية الألم" ليتني قلت لا و لم اجزع عندما دعوتني للمقهى الرجالي و لم أنشغل جزعة بالعيون الناقدة و المتفحصة و الوقحة عن العشق في عيناك،،
ليتني لم أقل لا لقالب الشيكولاتة بغلافه الأحمر و الشريطة الذهبية و التي لم أتذوق حلاوتها ليومنا هذا علها تمحو المرارة التي ماتزال عالقة في فمي من جبني و إحجامي أن أخذها و التي كلما بحثت عنها ليومنا هذا لا أجدها و كأن صناعها تضامنوا معك و ما عادوا ينتجونها من أجلك!
أعتذر أن الأمر استغرقني ما يفوق الخمسة عشرة عاما لأدرك فداحة خسارتي و أني من فرط ايماني بمثاليتي كدت أكفر ،،أن الحب لم يكن خطيئة و أنه لابأس أن استمتع بضجيج الموسيقى و أن أضع أحمر شفاه و طلاء أظافر قاني اللون دون أن ينعتوني بالغانية،  و أنه لابأس من بعض خصل نافرات لست بقديسة و لا ينبغي أن أكون ، أن صوتي العالي ليس دليل ضعف موقفي،،أذكر اصرارك و عزيمتك و أنت تحدق في عيني "اصرخي" ،أنه لابأس أن أشتم  و ألعن و أن الغضب فضيلة احيانا بدل الموت قهرا، استغرقني خمسة عشرة عاما لأفتح أبواب قلبي و ألملم العلامات التي تركتها لي على كل باب و أن البكاء راحة كما الضحك راحة وأن قطعة الكريستال التي رأيتها بداخلي قد صقلت أخيرا و صارت تلون الدنيا بالألوان السبع و تبهج أحلك القلوب ظلمة،، أن للأسود بهائه كما للأحمر رونقه،،و البياض وحده لا يصنع سوى لوحة من الملل لا تثير في النفس أي أثر،، استغرقني كل هذا الوقت لأتعلم أن استمتع بكل دقيقة و أن أشعل شمعة و أقرأ كتاب و أرى الجمال في كل وجه و أن لا أحكم على الأخر أبدا و أن الحزن ليس بذنب و تبقى خطيئتي الكبرى أني رفضت دعوتك للسعادة لشخصين.
دمت فارسا


الشاي بلبن و كعكات الماكرون الفرنسية


تنظر إلى وجهها في المرآة، تبتسم لنفسها و يعجبها ماترى، بحواجبها المزججة بعناية و شفتاها
الوردية المكتنزة، تتأمل جسدها في مرآة الدولاب بقميصها الرمادي، ماذا قالت لها بائعة المحل sleeping shirt  ناعم كالحرير كملمس جسدها المرمري يصل إلى ماقبل الركبتين، كانت أمها تقول أن عنوان أي فتاة نعومة ركبتيها و مرفقيها و الكعبين، لهذا كانت توليهم عناية خاصة بعد انتهائها من الحمام بدايةً من الحجر الأسود مرورًا بالفازلين المخلوط ببودرة دم الغزال التي تبتاعها من العطار لتضفي على جسدها لونًا ورديًا مثير، يرن في أذنها أغنية "كعب الغزال يامتحني بدم الغزال" تضحك بغنج تتذكر بائع الحلوى الذي يعيد الأغنية مرارًا و تكرارًا كلما عبرت بجواره خفيض الصوت على استحياء العاشق و هو يقول "متبطل تمشي بحنية ليقوم زلزال" يتلكأ في تعبئة ماتختاره من حلويات عارضًا عليها إن تتذوق الماكرون الكعكعات الفرنسية ذات الألوان المبهجة  يطيل في شرحها كيف أنها أرق أنواع الكعك! هل يراها رقيقة حقا أم أنه فقط يصف الماكرون، في حجم قضمة واحدة أو اثنتين  تحتاج إلى القليل من الوقت لمضغها و هو الذي يعطيك مايكفي لتستمتع بطعمها أكثر من لو كانت هشة أو كاملة القرمشة كأنواع أخرى من الكعك، ضبطته مرة يطيل النظر للخاتم الماسي الكبير في يدها الذي يحتل أصبع السبابة و عندما انتبه لها أرخى عينيه في خجل و اضطراب لم يخفى عليها و إحجامه عن القاء نكاته البسيطة لها فيما بعد و التي كانت تضحكها فتقهقه غير عابئة بنظرات المشتريين الأخرين. نجحت في الحصول على رقم هاتفه بحجة أن تطلب الحلويات بدل الحضور بنفسها، لكنها أبدًا لم تنقطع عن شراء الحلوى و أيضًا لم تحادثه و لا مرة مكتفية باسترجاع اللحظات القليلة التي تقضيها في الحديث إليه و قد ارتبط في ذاكرتها الحسية الماكرون و هُو . تتنهد و هي تضع عطر لوليتا لمبيكا على شكل تفاحة هذا العطر المسكر الذي أهدته لها زوجة خالها التي تعيش في الكويت أول مرة قائلة "يليق بك" ليصبح عطرها المفضل ،تجلس على طرف السرير، تنادي الخادمة الأفريقية تطلب العصير البارد،  ترفع قدميها قبالتها على كرسي مقابل و تبدأ في طلاء أظافرها باللون الأحمر البطيخي، ليس أحمرً قانيًا و ليس ورديًا ايضًا هو حار كصيف يونيو و بارد كنسيمه. تنتهي من طلاء أظافرها، تشرب عصير الرمان و  ترمي بجسدها على السرير و تروح في أغفاءة قصيرة ترى فيما يرى النائم أن حبيبها أمير شاب حسن الملبس طيب الرائحة ، تفيق على صوت الباب يغلق بقوة.
"سليم" زوجها الذي تحسدها صديقاتها على زواجها منه أخذها من فقر بيتها إلى فيلا واسعة  أنيقة لها حديقة مزدانة بالأشجار و يحرسها رجل أمن بزي أزرق أنيق، يحسدنها على زوجها و نعومة جلدها ذي الملمس الطفولي الذي حرصت على نظافته و نعومته مرتضية ألم قطعة السكر تغض الطرف عن وجع اللحظة راضية بسخرياتهن منها و وصفهن لها بالسادية الصغيرة راضيات هن بطرق أقل إيلامًا غير راضيات بأزواج أقل ثراءً و إن كن أصغر سنًا.
 "سليم" ذو الخمسين عامًا صاحب الشركة التي كانت تعمل بها في السكرتارية، نسي أن يتزوج في خضم عمله و نجاحاته، يوم أن رآها أول مرة ناهرًا تلكأها في العمل ليسقط فيما بعد صريعًا لدلال صوتها و إيماءتها و ضحكاتها الصاخبة.
يقبل عليها ليحتضنها كعادته كلما عاد من الخارج، يرمي بثقله على جسدها الغض، يدفن وجهه في رقبتها يستنشق رائحة الفاكهة المسكرة مخلوطة برائحة جلدها، يتنهد و يخبرها كم يحب رائحتها الشهية و كيف أنها غضة دائمًا يؤكد أنه أشتم رائحة العطر وحده مئة مرة لكنه لايشبه أبدًا الرائحة التي تنبعث منها، تبتسم لنفسها في مكر هي تعلم السر الذي لايعلمه، عوالم العناية بجسدها التي لاتنضب و السر هذه المرة في الحمام البلدي الذي تزوره مرة أسبوعيًا تسلم نفسها طواعية للتمسيد و التدليك و حرارة البخار الساخن و العرق المتصبب بغزارة و فور أن تنتهي تأخذ حمامًا باردًا و تدهن جسدها بخلطة من الزيوت الطبيعية و المسك، تخرج من أفكارها على لمساته التي صارت أكثر ثقلاً و صوت أنفاسه المتلاحقة تدفعه برفق وتتعلل بالغداء، تشرد روحها بعيدًا تعلم أنه لامفر بعد تناول الطعام، تتذكر قبلاته فتشعر بالغثيان، طعم قبلاته مزيج منفر من السجائر و الشاي باللبن الذي تكره رائحته و طعمه، ألمحت مرة أنها تفضل أن يغسل أسنانه قبل أن يقبلها فاجئها برده الوقح "الله يرحم أبوكِ" يحتقن وجهها و هي تتذكر و تتجمع دموع القهر في عيناها و تتذكر بائع الحلوى الشاب القوي المفتول ذو الضحكة اللؤلؤية ،أين هي اليوم منه و من زوجها و أسنانه الصفراء، لكن لايجوز لحوار النفس أن ينتهي هكذا كيف و قد عودت نفسها على الصراحة يجب أن تضيف إلى ماسبق أمواله و سيارته و الفيلا الفاخرة و أكثر.
تصدر منها التفاتة لشريط اختبار الحمل ذو الخطيين الورديين و دموعها المتسارعة هل تسعد و قد ضمنت أرث كبير و وجاهة اجتماعية مدى الحياة أم تبكي على ذرية بائسة ستحضرها إلى العالم ، تبكي جسدها المرهق و الزيف الذي صار جزء لا يتجزء من ملامح وجهها، لاتعلم إن كانت سعيدة حقًا أو أنها من فرط ادعائها صدقت السعادة التي تعيش فيها، يؤلمها جلده الجاف المترهل و لهاثه و عجلته و طعم الشاي في فمه ، يؤلمها استدعاء نشوة كاذبة و أحلام اليقظة ببائع الحلوى و أحمد عز و كريم عبدالعزيز، هل تستطيع العيش في انتظار نظرة رغبة في عين عابر طريق،  أو لمسة خاطئة متعمدة من سائق أو خادم أو صديق، هل تسقط في بئر الخيانة الالكترونية التي أدمنتها، غرف الدردشة الليلية  يومًا هي  خجلة تتعثر لاتجرؤ على الدردشة و يومًا آخر لبؤة جائعة تتصيد الكلمات من خلف الشاشة.
  و كلما تألمت أكثر ازدادت طمعًا و جشعًا في شراء الملابس و مستحضرات التجميل و العطور و السيارات، و ازدادت عريًا و تحررًا و ازدادت بعدًا عن الأخرين . تخجل أن تقول زوجي و هو في سن والدها ليس سنه فقط لكن ماوراء ذلك من ترجمة للوسط الذي انحدرت منه و الجزم بفقرها و جشعها مع لكنتها البسيطة و ضعف لغتها الانجليزية و افتقارها إلى اللغة الفرنسية و ترفّع السيدات عن مخالطتها و دعوتها إلى حفلات الشاي أو تمارين اليوجا و الزومبا في النادي الرياضي . هل تحتفظ بهذا الجنين ورقتها الرابحة أم تكتفي بالفتات و تعود أدراجها بنت العشرين و عشرات الأختيارات لتنتقي منها وجه أكثر حيوية و أكثر خفة و ربما تكون أفضل حظًا و تتزوج بائع الحلوى.
 يدخل سليم في هذه اللحظة إلى غرفته و يعلو صوته بنغمة لاتخطئها يطلبها و يطلب الشاي بلبن!