اعتقدت أني سأعرف الذئب حين أراه،
كنت واهمة
يقف المصعد قبل أن ينطلق ليفتح الباب، يطل علي بهيبته و رائحته التى ادركتها في اللحظة نفسها التي رميت ناظري في اتجاه الأرض مغمغة بتحية لا أعرف كنهها و لا أبه أن تكون واضحة،
ادعو فقط أن تمضي الدقائق سراعا قبل أن يفضحني شهيقي و زفيري، مترقبة يداه الغاويتان فوق أزرار المصعد، تتسمر عيناي أمام اليدين الغاويتين.
هو !
أصابعه الطويلة ذات العقل الداكنات و الشعيرات النابتات تضغظ أزرار المصعد و تعود لتحتل مكانها بجوار باقي جسده،
أتمنى لوهلة أن تضمني يداه أو أن تتشابك أصابعنا، أطبق شفتاي كيلا تنبعث منهما آهة بحجم وحدتي، بحجم الفراغ الذي يقتلني، بحجم اشتياقي لونيس ولوغريب،
هل يمكن للمصعد أن يضمنا لعشرة طوابق أكثر أو أن يعطل و نعلق بين السماء و الأرض ربما حينها فقط تلتقي مصائرنا!
ربما لو سمحت له بتحية سيلتهمني أعرف الذئب البشري حين ألقى واحدً و لا أقوا على التنفس أنا الحمل الوديع، يداه التي تفتح باب المصعد تاركة ممرًا ضيقًا لأعبر من خلاله، فزعة أن يلتهمني أو أن أعانقه أنا.
جازعة! أحتمي بنوافذ السيارة المغلقة و صوت ديدو الحزين يعلن تحرره من قبضة ماكان دومًا حتميًا، أغني معها نافثة عن مكنونات القلب المرهق "لا تمسك يدي لأطول من اللازم،، لست محتاجًا لهذا لا تنظر في عيني لست محتاجًا لهذا،،لست محتاجًا أن تقل وداعا،، يمكنك الاختفاء! "
كيف لجمل بهذه البساطة أن تقل كل مالم أرد قوله، وصلت لمقهى القهوة أركض كأني مازلت أهرب منه لألوذ بشيء يحميني، مكاني المعتاد و فنجان قهوة مر و قطعة شيكولاتة داكنة لا أذكر متى أبدلوها بدلا من المكعب الأبيض الذي لاتحبه بلامذاق و طعمه المشابه للزبدة.
تراه من جانب عينيها يجلس كعادته مقابلا لها تماما لكن بعيد تماما عنها لايبدو عليها أنها رأته، تنهي قهوتها على عجالة و تركض لتلحق يومها متجاهلة ككل يوم أن تعامله كجار أو كضيف أو صديق تفضل أن يبقى كشخص أطل متطفلا على عزلتها الانتقائية.
تفضل أن تتجاهل الجرس المحذر بأصرار في رأسها و قلبها الذي يتمنى لو أنه يجوز أن ترد التحية.
في طريق عودتها تزيح الورقة الملصقة بعناية على الزجاج الخاص بالسائق تطبقها كأنها ستلقيها و تستقل السيارة عائدة، تدخل بيتها و تفتح يدها المطبقتين على رسالة كل يوم يهوي قلبها بين ضلوعها فالورقة تقول: "فاذا علمت قلبي الخوف منك..سلك القلب طريق الخوف مني.. ثم غطني بكفيك و أغفى كغريب نام في حضن غريب"
تشغل الأغنية في جهاز اللابتوب بلوعة عاشق يقول لطفي بوشناق لا أرى كأسك إلا من نصيبي!
بات أكثر جرءة ، هل يعلم بنية الطلاق؟ الأخبار لاتسكت و لابد أنه سمع من شخص أو اخر، تعود بذاكرتها للوراء في اليوم الذي كسرت شرنقتها و طلبت حريتها!
هي التي عبرت أزمات منتصف العمر باقتدار و قد غضت الطرف عن كل زلات زوج عقيم، أناني و قاسِ ،
تنتظر إيماءة رضا على طعام لا يأكله و فراش مهجور و حديث لايتبادلانه، تحترق شوقا لعناق!
كعادته الهاشة الباشة مع الغرباء أخبرني أنه وجه الدعوة لجار لنا سأله البارحة عن رائحة الخبز الرائعة التي كانت تنبعث من بيته و ضحك في تلذذ و هو يشير إلى بطنه الممتلئة أن تعيد صنع قالب كيك الكراميل و الشيكولاته للضيف القادم في المساء و يعود هو للعبث في جهازه المحمول و ألعابه الألكترونية ببيجامته الرمادية المكوية بعناية و ذقنه الحليقة يحتسي كوب الشاي الساخن بصوتٍ مسموع يلقي عليها بالأوامر تلو الأوامر كأنها لم تخلق إلا لتستجيب لأوامره و نواهيه.
قالب كيك الكراميل و الشيكولاتة هو قالب استثنائي اشتهرت به بين عائلتها و اصدقائها، هي لا تجيد صنعه فقط بل أن شيء في مزيج الشيكولاتة الذائبة في الكيك و صوص الكراميل العسلي المذاق و اللون يشبه روحها الرحبة،مع كل قضمة ستشعر أنك لا تنتمي لهذا العالم بل سيولد عالم اخر أكثر دفئا ربما ستتمنى أن يضمك إلى الأبد.
و حضر هو "رجل المصعد" بوسامته و ثيابه الأنيقة و ذقن نابتة و نظرات متلصصة جريئة ..
عرفته من عطره الأستثنائي، الرجل الذي لم أجروء أن ارفع ناظري إليه و أطلت النظر ليداه الغاويتان ، دام حديثنا لساعات و طالت السهرة و رجل المصعد شيق، لبق و دمث، يزين يده اليسرى خاتم فضي ، تشاركنا القهوة و قالب الكيك، الأفلام و الموسيقى و الروايات و أمنيات سرية لم تعلن،
لم يكن زوجي يصغي لأي من الحديث يقلب عينيه بين هاتفه المحمول و الريموت كونترول و يلقي علينا بين الحين و الأخر بنكات سمجة يقرأها لنا من حساب الفيس بوك الخاص به،
في تلك الليلة استأذن رجل المصعد مودعا، استمهل يدي بين يداه دقائق حسبتها دهرا و استمر الحديث المودع خمسة دقائق أو تزيد و زوجي يرى و لا يعي و لا يهتم.
خرج رجل المصعد. و هرع زوجي لأجهزته الألكترونية،
بكل تفاني ألملم الأطباق المتسخة و الأكواب المستعملة و يعبر في ذهني نظرة رجل المصعد الجائعة هل هو قالب الحلوى، أشغل المكنسة الكهربائية أتلكأ أمام زوجي ألمح عنوان فاضح على قناة اليوتيوب تصعد الدموع لعيني، أتذكر كيف استبقى رجل المصعد يداي بين يديه، أعيد تقسيم قالب الكيك في علب محكمة لأخذها لزملائي في العمل و ألعق مابقي من أثار الشيكولاته و الكراميل فوق أصابعي يحتويني العالم الافتراضي الرحيب لكنه سراعا مايغدو على رحابته كئيبا،
آووي إلى فراشي و انكمش على وسادتي بحزن، أطفيء المصباح المجاور و تنطفيء دنيتي.
طلبت الطلاق ، لماذا انتظرت كل هذا الوقت!
و كأن زوجي كان ينتظرها تم الطلاق بسهولة، ترك البيت لفترة حتى ألملم شتات نفسي و أعيد ترتيب ظروف حياتي. ربما سأترك هذا البيت أنا ايضا، ذات مساء جال في خاطري أن أخرج لأتمشى قليلا و استنشق هواء نقيا،،انقلبت حياتي رأسً على عقب في فترة قياسية.
و كأنه ينتظرني!
هو موعد مع القدر للمرة الأولى التي أراه فيها ابتسم و أبادله نظرة عين بنظرة عين،
فتح ذراعيه و قال انتظرتك كثيرًا،
دعاني لفنجان قهوة و لم أجد سببًا للرفض فوافقت، واقفًا أمام ذات المقهى ضحك و نظر لطاولتي المعتادة
و سألني إن كنت افضل أن أجلس عليها أم في أي مكان اخر و لم أجد لذلك قيمة كانت قيمة الطاولة تأتي من إحساسي العظيم بالخواء و لجوئي للطاولة كان حاجز وهمي لأحتمي بها من أي شيء،
عندما حضرت القهوة طلب أن يتكلم لكنه لم يكن ينظر لي بذات الطريقة التي كنت أراها في عينيه أو أن إحساسي بذاتي اختلف، بالعكس كان ينظر من خلف الزجاج للطريق الخال من المارة، قال أنه أرمل! نظر إلي ليرى وقع الكلمة علي!
لم أحر إجابة أنا التي كنت أرى الذئب الذي بداخله يتلاشى فجأة، قال أنه لم يقترب من امرأة أخرى منذ سنين، قال إنه كان يشتاق إليها كثيرا حتى رأني، تذكرت المصعد بالطبع و ضحكت
لكنه فاجئني حين قال "أنه كان يراني هنا في المقهى و أنا أجلس وحيدة لنصف ساعة يوميا اطلب ذات فنجان القهوة و لاتمتد يدي للمكعب الأبيض حتى ألمح للنادل ذات مرة أن يبدله بمكعب شكولاته داكنة وعن سعادته يوم التقمت المكعب باستمتاع، نظر إلي تلك النظرة و قال حينها عرفت أنك مختلفة وأن شيء سيجمعنا،رأيت الخاتم الذهبي في يدك و تمنيت أن يكون زوجًا فقدتيه على أن يكون رجل بلا ظل في حياتك، شيء في هشاشتك كان يحتاج لأن ينكسر و زدت يقينا عندما رأيتك مع زوجك،و أنك تسكنين ذات البناية التي أسكنها،و عندما لمست أصابعك الثلجية أيقنت أنك فقدتي روحك منذ زمن. كانت سعادتي تتلخص في الدقائق التي تجمعنا في المصعد معلقين بين السماء و الأرض و أنتي تحجمين عن التنفس، أتمنى فقط أن تردي التحية ،
لكن حقل الطاقة المنبعث من وجودنا سويا كان أقوى منا ينبعث و ينطفىء مع باب المصعد،
كان لابد أن اقتحمك و اكسر الحاجز الزجاجي و اسمح للطاقة أن تغمرنا كلينا، الباقي يجب أن تفعليه أنتي وحدك، أنت ساحرة في كل ماتملكين ، انتظرتك كثيرا جدا ."
الذئب كان في بيتي و أنا كنت الحمل الوديع الأحمق.
هل أخبرته حقًا أني أحتاج إلى عناق!